العراق ما بعد الانتخابات ليس كما قبله.تلك نتيجة لاقت شبه اجماع سياسي وشعبي في الداخل والخارج.تصدر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر للمشهد الانتخابي وبالتالي السياسي خلط كل الحسابات والاوراق ليدخل العراق في معركة تشكيل الحكومة الجديدة و تصح عليها صفة المعركة ليس بفعل موازين القوى السياسية الداخلية وحسب وانما بما تحمله من ابعاد اقليمية ودولية تحدد موقع العراق الجيوسياسي في الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة في المنطقة.ولعل السؤال الابرز هو هل سيكون العراق في محور سياسي محدد ويذهب في خيارات تفرضها شراكة محور بعينه. الارجح ان العراق لن يكون محسوبا على اي من المحاور في المنطقة وهنا لعبة التقاطع بين الجميع هي المرجحة طالما يقول قادته ومنهم مقتدى الصدر ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي ان العراق يريد علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل وتعزيز المصالح المشتركة.تفاهمات كثيرة بين مختلف اطراف الفوز في الانتخابات ضج بها العراق قبل الاستحقاق البرلماني لكنها لم تصل الى حد الاتفاقات . لن يستطيع اي طرف تشكيل حكومة بمفرده ولن يستطيع اي تحالف الاخذ على نفسه قرار تشكيل الحكومة على قاعدة أغلبية سياسية الا اذا كانت اغلبية سياسية وطنية جامعة ولا تقصي او تستثني احدا من التحالفات الاساسية المتصدرة لنتائج الانتخابات واولها تحالف سائرون المدعوم من الصدر وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري وتحالف النصر بزعامة العبادي وتحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتحالف الحكمة بزعامة عمار الحكيم وتحالف الوطنية بزعامة اياد علاوي بمعظم تركيبته السنية ويضاف اليهم التحالف الكردي الذي يعيش معركة اعادة توحيد صفوفه وتجاوز الانقسامات بعد فشل استفتاء الانفصال عن العراق.المنتصر الاول هو مقتدى الصدر والخاسر الاول هو نوري المالكي . خصومة سياسية وشخصية بين الرجلين وتناقض كبير في الطروحات الداخلية اضف الى ذلك ان المالكي لم يعد الحصان الرابح اقليميا ودوليا.قد يلتقي الصدر مع الكثير من التحالفات باستثناء تحالف المالكي الذي غرد وحيدا بشعار الاغلبية السياسية فيما تلاقى الباقون على الاغلبية الوطنية لتشكيل الحكومة. واللافت في المفهوم ان الاغلبية السياسية والاغلبية الوطنية لاتتناقضان وانما ما يهدف اليه المالكي كما يقول خصومه هو الاقصاء والاستئثار تحت شعار الاغلبية السياسية.
قد تتعادل الابعاد الداخلية والاقليمية للانتخابات البرلمانية العراقية. لا يخفي العراقيون انتشاءهم بالانتصار على داعش لكنهم في الوقت ذاته يشعرون بالانكسار امام ارهاب الفساد وتلك هي المعضلة التي جعلت من البنية التحيتة العراقية ومؤسسات الدولة والقطاع الخدمي متأخرة لعدة عقود عن التطور الذي تشهده الكثير من دول المنطقة.ومن يتحدث مع المواطنين العاديين قد يسمع ما يصدمه من الترحم على زمن صدام حسين ليس في السياسة الداخلية والخارجية وانما لجهة الشعور بأن قطاع الخدمات ووجود هيبة الدولة لم يغيبا عن واقع العراق حتى في ظل الحصار ومعادلة النفط مقابل الغذاء والدواء بعد غزو الكويت.
انتصر العراقيون على ارهاب داعش يقول حيدر العبادي لكن الحرب الخطرة ايضا برأيه الذي يتقاطع مع رأي مقتدى الصدر هي الحرب على الفساد هي الحرب لاعادة بناء مؤسسات الدولة. من كان يتصور يوما انه يسير في شوارع بغداد ولا يصادف اشارة المرور على التقاطعات ، وان وجدت فلا التزام بنظام السير،. لماذا هذا الواقع المتردي الذي وصله العراق مع طبقة الحكم الجديدة التي جاءت بعد العام الفين وثلاثة. هل يكفي التبرير بضرورة الحرب على الارهاب اولا ، لماذا لم يعتمد ساسة العراق ما بعد النظام السابق على قاعدة متوازية بين الحرب على الارهاب ومعركة اعادة بناء مؤسسات الدولة ورعاية المواطن . لا ترى في قلب العراقي الا الغصة من واقعه المرير وهو المشهور بأنفته وكبريائه في دولة يتفاخرون بوصفها بأنها دولة العلم .
في حسابات الربح والخسارة وفي حسابات موازين القوى الجديدة التي افرزتها الانتخابات قد تكون ايران هي ابرز الخاسرين لكنها لم تنهزم.لم تعد ايران صاحبة الكلمة الفصل في بغداد ولم تعد كذلك واشنطن. قد يتقاطع الطرفان لكن ثمة حضور عربي بات واقعا في المشهد العراقي وتحت قبة البرلمان ليس من باب شراء الذمم او ما شابه وانما من باب تبلور خيارات سياسية لدى الكثير من القوى العراقية التي تعتمد قاعدة التوازن في العلاقات الاقليمية وفي المقدمة العلاقة مع العرب بأنها تتقدم على اي علاقة اخرى ولكن بعيدا عن لغة المحاور.
يرى قادة في التحالفات الانتخابية المنتصرة ان العراق الجديد المنتصر على داعش منفتح على ان يكون ساحة تلاقي في المنطقة وليس ساحة حروب وتصفية حسابات. هذا الخيار تراه لدى الصدر والعبادي والحكيم والعامري وعلاوي وغيرهم
العلامة الفارقة في الانتخابات تنطبق على مقتدى الصدر. هذا النجفي الهوا والخلفية والتربية هو من سلالة رجال دين ومراجع عرب. لا يميل الى قم لكنه لا يعلن العداء مع ايران وفي الوقت ذاته لا يريد من ايران الا شراكة واحتراما متبادلا . يريد من العرب العودة القوية الى العراق ليس في السياسة والدبلوماسية وحسب وانما عودة اقتصادية مصالحية تساعد العراق على استعادة دوره وهو يفضل الدور المتوازن . يرى في العرب امتدادا طبيعيا للعراق ويرى في الولايات المتحدة حتى الان عدوا طالما لم تسحب قواتها من العراق.
يلتقي في الكثير من المواقف مع رئيس الحكومة المنتهية ولايته وهو زاره في بغداد واعلن من هناك العزم على تشكيل حكومة خدمية ووصفها بحكومة ابوية. فهل اعطى الصدر اشارة الى تبنيه عودة العبادي الى منصب رئاسة الوزراء لولاية ثانية وهل سيؤيد حزب الدعوة عودة العبادي وهو الحزب الذي خاض نقاشا داخليا قبل الانتخابات عن احتمال تخلي الحزب عن ترشيح حزبي لرئاسة الحكومة واختيار احد المقربين منه.